سورة الفتح - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفتح)


        


{وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا (13)}
وقوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بالله وَرَسُولِهِ} إلخ كلام مبتدأ من جهته عز وجل غير داخل في الكلام الملقن مقرر لبوارهم ومبين لكيفيته أي ومن لم يصدق بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كدأب هؤلاء المخلفين {فَإِنَّا أَعْتَدْنَا} هيأنا {للكافرين سَعِيرًا} نارًا مسعورة موقدة ملتهبة وكان الظاهر لهم فعدل عنه إلى ما ذكر إيذانًا بأن من لم يجمع بين الإيمان بالله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام فهو كافر وأنه مستوجب للسعير بكفره لمكان التعليق بالمشتق.
وتنكير سعير للتهويل لما فيه من الإشارة إلى أنها لا يمكن معرفتها واكتناه كنهها، وقيل: لأنها نار مخصوصة فالتنكير للتنويع و{مِنْ} يحتمل أن تكون موصولة وأن تكون شرطية والعائد من الخبر أو من جواب الشرط هو الظاهر القائم مقام المضمر.


{وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (14)}
{وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والارض} فهو عز وجل المتصرف في الكل كما يشاء {يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء} أن يغفر له {وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء} أن يعذبه من غير دخل لأحد في شيء من غفرانه تعالى وتعذيبه جل وعلا وجودًا وعدمًا {وَكَانَ الله غَفُورًا رَّحِيمًا} مبالغًا في المغفرة لمن يشاء ولا يشاء سبحانه إلا لمن تقتضي الحكمة المغفرة له ممن يؤمن به سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم وأما من عداه من الكافرين المجاهرين والمنافقين فهم عزل من ذلك قطعًا وفي تقديم المغفرة والتذييل بكونه تعالى غفورًا بصيغة المبالغة وضم رحيمًا إليه الدال على المبالغة أيضًا دون التذييل بما يفيد كونه سبحانه معذبًا مما يدل على سبق الرحمة ما فيه.
وفي الحديث: «كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق رحمتي سبقت غضبي» وهذا السبق على ما أشار إليه في أنوار التنزيل ذاتي وذلك لأن الغفران والرحمة بحسب الذات والتعذيب بالعرض وتبعيته للقضاء والعصيان المقتضى لذلك وقد صرح غير واحد بأن الخير هو المقضي بالذات والشر بالعرض إذ لا يوجد شر جزئي ألا وهو متضمن لخير كلي، وفصل ذلك في شرح الهياكل، وقال بعض الأجلة: المراد بالسبق في الحديث كثرة الرحمة وشمولها وكذا المراد بالغلبة الواقعة في بعض الروايات، وذلك نظير ما يقال: غلب على فلان الكرم ومن جعل الرحمة والغضب من صفات الأفعال لم يشكل عليه أمر السبق ولم يحتج إلى جعله ذاتيًا كما لا يخفى والآية على ما قال أبو حيان لترجية أولئك المنافقين بعض الترجية إذا آمنوا حقيقة، وقيل: لحسم أطماعهم الفارغة في استغفاره عليه الصلاة والسلام لهم، وفسر الزمخشري {مَن يَشَآء} الأول بالتائب والثاني بالمصر ثم قال: يكفر سبحانه السيآت باجتناب الكبائر ويغفر الكبائر بالتوبة وهو اعتزال منه مخالف لظاهر الآية، وقال الطيبي يمكن أن يقال: إن قوله تعالى: {وَللَّهِ مُلْكُ السموات} إلخ موقعه موقع التذييل لقوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يُؤْمِن بالله وَرَسُولِهِ} [الفتح؛ 13] الآية على أن يقدر له ما يقابله من قوله ومن آمن بالله ورسوله فإنا أعتدنال لمؤمنين الجنان مثلًا فلا يقيد شيء مما قيده ليؤذن بالتصرف التام والمشيئة النافذة والغفران الكامل والرحمة الشاملة فتأمل ولا تغفل.


{سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا (15)}
{سَيَقُولُ المخلفون} المذكورون من الأعراب فاللام للعهد وقوله تعالى: {إِذَا انطلقتم إلى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا} ظرف لما قبله لا شرط لما بعده والمراد بالمغانم مغانم خيبر كما عليه عامة المفسرين ولم نقف على خلاف في ذلك وأيد بأن السين تدل على القرب وخيبر أقرب المغانم التي انطلقوا إليها من الحديبية كما علمت فإرادتها كالمتعينة، وقد جاء في الأخبار الصحيحة أن الله تعالى وعد أهل الحديبية أن يعوضهم من مغانم مكة خيبر إذا قفوا موادعين لا يصيبون شيئًا وخص سبحانه ذلك بهم أي سيقولون عند إطلاقكم إلى مغانم خيبر لتأخذوها حسا وعدكم الله تعالى إياها وخصكم بها طمعًا في عرض الدنيا لما أنهم يرون ضعف العدو ويتحققون النصرة {ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ} إلى خيبر ونشهد معكم قتال أهلها {يُرِيدُونَ أَن يُبَدّلُواْ كلام الله} بأن يشاركوا في الغنائم التي خصها سبحانه بأهل الحديبية وحاصله يريدون الشركة التي لا تحصل لهم دون نصرة الدين وإعلاء كلمة الله تعالى، والجملة استئناف لبيان مرادهم بذلك القول، وقيل: يجوز أن تكون حالًا من المخلفين وهو خلاف الظاهر ولا ينافي خبر التخصيص إعطاؤه عليه الصلاة والسلام بعض مهاجري الحبشة القادمين مع جعفر وبعض الدوسيين والأشعريين من ذلك وهم أصحاب السفينة كما في البخاري فإنه كان استنزالًا للمسلمين عن بعض حقوقهم لهم أو أن بعضها فتح صلحًا وما أعطاه عليه الصلاة والسلام فهو بعض مما صالح عليه وكل هذا مذكور في السير لكن الذي صححه المحدثون أنه لا صلح فيها.
وقال الكرماني: إنما أعطاهم صلى الله عليه وسلم برضا أصحاب الوقعة أو أعطاهم من الخمس الذي هو حقه عليه الصلاة والسلام، وميل البخاري إلى الثاني وحمل كلام الله تعالى على وعده بتلك الغنائم لهم خاصة هو الذي عليه مجاهد. وقتادة وعامة المفسرين، وقال ابن زيد: كلام الله قوله سبحانه وتعالى: {قُل لَّن تَخْرُجُواْ مَعِىَ أبدًا} [التوبة: 83] ووافقه الجبائي على ذلك وشنع عليهما غير واحد بأن ذلك نازل في المخلفين في غزوة تبوك من المنافقين وكانت تلك الغزوة يوم الخميس في رجب سنة تسع بلا خلاف كما قال القسطلاني والحديبية في سنة ست كما قاله ابن الجوزي. وغيره وهذه إنما نزلت بعيد الانصراف من الحديبية كما علمت وأيضًا قال في البحر: قد غزت مزينة وجهينة من هؤلاء المخلفين بعد هذه المدة معه عليه الصلاة والسلام وفضلهم صلى الله عليه وسلم بعد ذلك على تميم. وغطفان. وغيرهم من العرب، وفي الكشف لعل القائل بذلك أراد أن هؤلاء المخلفين لما كانوا منافقين مثل المخلفين عن تبوك كان حكم الله تعالى فيهم واحدًا، ألا ترى أن المعنى الموجب مشترك وهو رضاهم بالقعود أول مرة، فكلام الله تعالى أريد به حكمه السابق وهو أن المنافق لا يستصحب في الغزو، ولم يرد أن هذا الحكم منقاس على ذلك الأصل أو الآية نازلة فيهم أيضًا فهذا ما يمكن في تصحيحه انتهى، ويقال عما في البحر: إن الذين غزوا بعد لم يغزوا حتى أخلصوا ولم يبقوا منافقين والله تعالى أعلم.
وقرأ حمزة. والكسائي {يَسْمَعُونَ كلام الله} وهو اسم جنس جمعي واحده كلمة {قُلْ} أقناطًا لهم {لَّن تَتَّبِعُونَا} أي لا تتبعونا فإنه نفى في معنى النهي للمبالغة، والمراد نهيهم عن الاتباع فيما أرادوا الاتباع فيه في قولهم: {ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ} وهو الانطلاق إلى خيبر كما نقل عن محيي السنة عليه الرحمة، وقيل: المراد ولا تتبعونا ما دمتم مرضى القلوب، وعن مجاهد كان الموعد أي الموعد الذي تغييره تبديل كلام الله تعالى وهو موعده سبحانه لأهل الحديبية أنهم لا يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا متطوعين لا نصيب لهم في المغنم فكأنه قيل: لن تتبعونا إلا متطوعين، وقيل: المراد التأبيد، وظاهر السياق الأول {كَذَلِكُمْ قَالَ الله مِن قَبْلُ} أي من قبل أن تهيأتم للخروج معنا وذلك عند الانصراف من الحديبية {فَسَيَقُولُونَ} للمؤمنين عند سماع هذا النهي {بَلْ تَحْسُدُونَنَا} أن نشارككم في الغنائم، وهو إضراب عن كونه بحكم الله تعالى أي بل إنما ذلك من عند أنفسكم حسدًا. وقرأ أبو حيوة {تَحْسُدُونَنَا} بكسر السين {بَلْ كَانُواْ لاَ يَفْقَهُونَ} لا يفهمون {إِلاَّ قَلِيلًا} أي إلا فهمًا قليلًا وهو فهمهم لأمور الدنيا، وهو رد لقولهم الباطل في المؤمنين ووصف لهم بما هو أعظم من الحسد وأطم وهو الجهل المفرط وسوء الفهم في أمور الدين، وفيه إشارة إلى ردهم حكم الله تعالى وإثباتهم الحسد لأولئك السادة من الجهل وقلة التفكر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8